الإسلام والشباب

بقلم : أ. د. أحمد عمر هاشم

  

 

  

       الشباب مرحلة من مراحل العمر، تتمثل فيها القوة والحيوية، والحركة والنشاط، ومرحلة الشباب هذه جعلها الله سبحانه وتعالى وسطاً بين مرحلتين، كلتاهما تتسم بالضعف:

       * المرحلة الأولى: هي مرحلة الطفولة من حين يولَد الطفلُ ضعيفًا لا يقدر على الحركة، ولا يستطيع التعبير، ولا يعي من الأمر شيئًا، كما قال الله تعالى: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيئًا وَجَعَل لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ النحل: آية78.

       * والمرحلة الأخرى: هي مرحلة الشيخوخة والكبر، وفي هذه المرحلة تنقلب حالُ الإنسان من القوة إلى الضعف، فتنقص معلوماته وتضعف بنيته وقواه، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ﴾ يس: آية 67. فمن وصل إلى هذه المرحلة يكون قد تقلب في المراحل الثلاث، وانتهى حاله إلى الضعف والنقص والنسيان فلا يعلم – بعد علم – شيئًا، كما قال تعالى مستدلاً بتلك المراحل والأطوار على البعث. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ الحج: آية 5.

       وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المراحل في قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ الروم: آية 54.

       ومرحلة الشباب إنما تُعْتَبر من أدق المراحل في حياة الإنسانِ، لأنّ الشباب يحملون نفوسًا خصبة صالحةً للخير والإصلاح، وقلوبًا صافية لم تقتحمها – بعد – عادات سيّئة، ولا تقاليد ضارة ولا ضروبًا من الأخلاق التي تتراكم في العادة لدى الكبار، ومن أجل هذا كانوا أسرع فئات المجتمع إلى قبول النصيحة، واستجابة الدعوة، وكان لتوجيههم وإرشادهم أكبر الأثر في مستقبل حياتهم، خاصة منذ الصغر، قبل أن يشبوا ويكبروا على بعض العادات أو الرذائل التي قد تغشاهم فترة ما من الزمن. أو تهب عليهم عواصف الشك والقلق، فيصبح علاجهم حينئذ صعبًا؛ لأن من شبَّ على شيء شاب عليه.

       وفي هذه المرحلة أيضًا كثيرًا ما تتحرّك للعواطف، وتهب من ركودها في نشاط وحيوية، تتَّسم بحسن الخلق، والإعجاب بمظاهر البطولة في سبيل الدين والوطن، كما تتسم بحدة العقل.

       ومن نصائح السلف قول ابن شهاب الزهري: "ا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان، واستشارهم يبتغي حدةَ عقولهم".

       وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعني بتشجيع الشباب، ويكشف عن أهمية دورهم في الحياة، فيمنحهم الثقة بأنفسهم، إذ يثق بهم في معضلات الأمور، وأصعب المهام وأخطرها، فيسند إليهم أعمالاً عظيمة، ويولّيهم القيادة، فقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم عليًا – رضى الله عنه – الراية يوم بدر وسنُّه يومها نحو عشرين سنة، وأعطى زيد بن ثابت راية بني النجار يوم تبوك، وسنه نحو عشرين سنة، وأعطى زيد بن ثابت لواء السرية التي جهّزها، وسنه نحو عشرين سنة وقيل تسعة عشر سنة.

رعاية الشباب في ضوء القرآن الكريم

       إذا نظرنا إلى رعاية الشباب في ضوء القرآن الكريم، فإننا سنقف أمام عطاء غامر، ودروس باهرة تتضافر في إبراز ما للشباب من أهمية، وتُلقي الضوء على كيفية المحافظة عليهم، وتوجيههم وتربيتهم وتعليمهم.

       وسنحدّد الحديث هنا عن رعاية الأبناء في أربعة عناصر:

       أولاً: إنهم نعمة من الله سبحانه وتعالى، يتمناها الناس، كما تمناها الأنبياء، فلذا يدعون ربَّهم أن يهبهم ذرية طيبة.

       ثانيًا: رعاية الله تعالى لهم منذ الإقرار في الرحم، إلى أن يخرجوا إلى الوجود.

       ثالثًا: المحافظة على حياة الأبناء، ورعاية طفولتهم، والدفاع عنهم، وتوفير السعادة لهم.

       رابعًا: تربيتهم وتعليمهم .

       أما بالنسبة للأمر الأول، وهو أنهم يمثِّلون نعمة من أكبر النعم التي يتمناها الناس، كما تمناها الأنبياء، ويدعون ربهم بها ؛ فترى قول الله تعالى في وصف عباده الذين شَرَّفَهم بالإضافة إليه، وسمّاهم عباد الرحمن قال: ﴿وَالَّذِيْنَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَّاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ الفرقان: آية 74.

       وقال سبحانه في شأن زكريا عليه السلام: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّه قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ آل عمران: آية 38.

       وأنهم أيضًا زينة الحياة الدنيا، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن هذه النعمة قد ينالها البعضُ ولا ينالها آخرون، وما يمنح الله لعباده منها قد يكون ذكرًا وقد يكون أنثى، وقد يكون الأبناء من الذكور الأبناء من الذكور والإناث، وقد لاينجب الرجل مطلقًا بأن يكون عقيمًا، وذلك كله إن دل على شيء فإنما يدل على سعة علمه تعالى وحكمته، وقدرته وغرادته .

       قال سبحانه: ﴿لِلّهِ مُلْكُ السَّمـٰـوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَّشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَّشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَّإنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَّشَاءُ عَقِيمًا إِنَّه عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ الشورى: الآيتان 49، 50.

       ومن أجل هذا: فإن القرآن الكريم حين يشير إلى الأبناء باعتبارهم زينة يتزين وينعم بها الإنسان، كما يتزين وينعم بالمال، فإنه يردف الحديث بأن الأبقى له ثوابًا ونفعًا، وأن خيرَ ما يتحقق للإنسان من أمل في الآخرة، ممّا كان يتمناه ويُؤمِّله في الدنيا. إنما يكون في الباقيات الصالحات من أعمال الخير، التي تبقى ثمرتها، فقال سبحانه: ﴿اَلْمَالُ وَالْبَنُونَ زينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثـَوَابًا وَّخَيرٌ أَمَلاً﴾ الكهف: آية 46.

       وهداية الأبناء أمنية الآباء التي يدعون بها لهم ولأنفسهم.

       قال تعالى في شأن إبراهيم u، وحرصه على هداية بنيه: ﴿وَإذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَّاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ إبراهيم: آية 35.

       ويصوِّر القرآن الكريم أثر الآباء في الأبناء، حين تصح عقيدتهم ويسلكون الصراط المستقيم ويتبعون هدى الله فتتبعهم ذريتهم على طريق الإيمان، قال سبحانه: ﴿وَالَّذِيْنَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِم ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ كُلٌّ أَمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ الطور: آية 21.

       وأما بالنسبة للأمر الثاني، وهو رعاية الله للأبناء بعد الإقرار في الرحم ، فقد وضع القرآن الكريم أطوار الخلق، مُبَيِّنًا كيف كانت رعاية الله للإنسان، منذ اللحظة الأولى التي كان فيها نطفة، ثم تدرج إلى علقة، ثم إلى مضغة.. إلى أن يخرج طفلاً ثم إلى أن يكبر، واستدل بهذه الأطوار على كمال قدرته تعالى على البعث.

       قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ..﴾ الحج : آية 5.

       كما أعطى الإسلام للأبناء حق الرضاع حتى يضمن للطفل من اللحظات الأولى ما تنهض به حياته، وتقوم عليه، فقال سبحانه: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ..﴾ البقرة: آية233.

       وأما عن الأمر الثالث، وهو المحافظة على حياة الأبناء، والدفاع عنهم، وتوفير السعادة لهم: فقال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَولاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ﴾ الأنعام: آية 151.

       فقد نهى الله عن قتلهم من أجل فقر موجود، واقع حال. وفي موطن آخر. قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوْا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ..﴾ الإسراء: آية31، أي مخافة وقوع فقر.

       كما راعى الإسلام – في سبيل المحافظة على حياة الأبناء – حمايتهم وصيانتهم من التعرض لهزّات الزمن، وتقلب الحياة فأمر الأوصياء أن يخشوا ربَّهم ويتقوه في أمر اليتامى، وأن يتصرفوا معهم بما يحبون أن يفعل بذريتهم الضعفاء بعد موتهم، قال الله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا﴾ النساء: آية 9.

       وأما بالنسبة للأمر الرابع، وهو تربية الأبناء وتعليمهم: فقد قدَّم لنا القرآن الكريم صورة من الوصايا في إطار متكامل، ترسم للشباب معالم الطريق، وملامح الحياة المستنيرة المستقيمة التي تظل موصولة بالله وبالمجتمع الذي يعيشون فيه، وهذه الوصايا يقدمها القرآن على لسان لقمان يقول سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ لقمان: الآيات 13-19 .

       إن أولى الوصايا وأول أساس من أسس التربية والتوجيه "العقيدة" التي تتمثل في توحيد الله تعالى. ثم جاء بالوصية بالوالدين، وهي وإن لم ترد على لسان لقمان، إلا أنه أوردها هنا تأكيدًا لتصحيح مسار العقيدة والمبالغة في عدم التهاون بها، حتى وإن كان ذلك ممن وصى الله بهما بعده مباشرة وهما الوالدان ثم كان التوجيه إلى علم الله الذي أحاط بكل شيء، ولطفه الذي يُدرك كل دقيق من الأمور وكل خفي عن الناس. ثم الوصية بالصلاة التي تعني الصلة بالله تعالى، والتي من ثمراتها تهذيب النفس، والانتهاء عن الفحشاء والمنكر ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ .

       ثم تنتقل الوصايا من الصلاة التي بها تتهذب النفوس، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكل ذلك هي حاجة إلى الصبر والاحتمال واستمرار مواصلة السير ولا يكفي لتهذيب الغير وإرشاده والتقويم من إعوجاجه مجردُ النصيحة، أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر؛ بل لابد من المعاملة الحسنة مع الغير، وممارسة القدوة، والتطبيق العملي معه كما لابد أيضًا من التواضع والتآلف. هكذا سارت بنا هذه الوصايا الحكيمة، ترسل عطاءها وهداها رعاية للشباب، في جميع الجوانب، سواء ما يتصل منها بعقيدته وصلته بالله، وما يتصل منها بسلوكه وتهذيبه وتنشئته تنشئة صالحة، وما يتصل منها بعلاقاته الإنسانية في أسمى صورها العديدة والرشيدة .

*  *  *

       ويُرسي القرآن الكريم أصولاً في الآداب العالية، ومن بينها أدب الاستئذان فيما يتصل بالأسرة والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، والشباب الذين بلغوا الحلم، وذلك عند دخولهم على الكبار، في وقت الراحة والخلوة ، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ النور: الآيتان 58، 59.

       وقد روي في سبب نزول الآية السابقة: أن غلام أسماء بنت أبي مرثد دخل عليها في وقت كرهتْه ، فنزلت الآية، وقيل أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مدلج بن عمرو الأنصاري – وكان غلامًا – وقت الظهيرة ليدعو عمر، فدخل وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه، فقال عمرt لوددتُّ أن الله عزوجل نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا ألا يدخلوا هذه الساعات علينا إلا بإذن، ثم انطلق معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده وقد أنزلت تلك الآية السابقة .

       ولقد ضرب لنا القرآن الكريم أروع الأمثلة في أنبل نموذج للعفة مع نبي الله يوسف وهو شاب فلقد تعرض لفتنة الجمال مع امرأة العزيز قال تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ يوسف: آية 23.

       كما ضرب المثل الرفيع بنبي الله موسى u في مروءته مع بنات شعيب، ويشيد القرآن بقوته وأمانته إذ يقول:

       ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ﴾ القصص: الآيات 23-26.

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادى الثانية  1429هـ = يونيو  2008م ، العـدد :6  ، السنـة : 32.